رسالةٌ إلى طالبِ علمٍ جامعي- الرسالةُ الأُولَى
إلى محمد… شهيدُ العلمِ
طالبٌ بجامعةِ التقنيةِ والعلومِ التطبيقيةِ بشناص
رَغِبتَ يا محمد أنْ تَصِلَ في موعدِ المحاضرةِ
تمامًا، عند الساعةِ الثامنةِ صباحًا، وأنْ يناديَكَ الأستاذُ قائلا: محمد بن علي
بن محمد الخضوري، وتُجيبه بـــــ: نعم.
كُنتَ سائرًا على الطريقِ واقتربتَ من مُرادِكَ،
لم تتبقَ سوى مسافة قصيرة لتصلَ إلى أبواب الجامعة، لكن القدر اتخذَ مسارا آخر
غيرَ المسار الذي رسمِتَهُ لنفسِكَ.
لم تصلْ إلى مُبتغاك يا محمد؛ أرادَ اللهُ لكَ
أنْ تصلَ إلى أبواب السماء، وأن يفتح لك الجنان على اتساعها، وتكون في العليين مع
الأبرارِ المصطفين الأخيار، وقد اصطفاك سبحانه واختارَك دُون الجموع.
أوراقُكَ الدراسية التي حَمِلتَهَا مَعَكَ؛
تناثرتْ على طولِ الطريقِ، وتحدثتْ عوضًا عنك، لقد قامت بإيصالِ رسالتِك، وشهِدَت
لك أمامَ اللهِ والناس جميعا أنك حاولتَ الوصول، بذِلتَ قُصَارى جُهدك أن تكونَ
طالبا ملتزما وجادا، أردتَ يا محمد أن تكونَ خارقا للعادةِ، وتُسَابِق الزمنَ؛
لتنتصرَ عليه، لكن غابَ عن بالكَ -رحمك الله- الجانبُ الإنساني الضعيف في تكوينة
بني البشر؛ عوَّلتَ على الماكنة وعلى السرعة، وعلى الزمن وعلى كل شيء كان في
مقدورك فعله؛ حتى خارت قِوى المركبة، فَاستسلمت هي الأخرى لقدرِها المحتوم،
وأسلمتَ روحك لله، وتركتَ رسالتك لنا جميعا.
بعد هذا المشهد يا محمد، وصلت رسالتُكَ إلى
الناس؛ وصلت رسالتُكَ بعد أنْ غادرتَنَا! رسالةُ طالبِ علمٍ أرادَ أنْ يحصلَ على علامةِ
صح أمامَ اسمهِ ويكونَ ضمن قائمة الحاضرين في القاعة الدراسية، وأن لا يكون محروما
من المادة العلمية، وأن يتشربَ العلمَ في شبابه الفتِي، لكن الله كتبَ لك أن تكونَ
ضمن قائمةِ الشهداءِ والصديقين، أن تكون حاضرا في ضيافتهِ عزَّ شأنُهُ، وأن تكونَ
من شبابِ أهل الجنة، لِتُكمِلَ رحلتَكَ هناك مع العِلِّيين، وحُسُنَ أولئكَ
رفِيقاً.
تركتَ أثرا لا يُمحى يا مُحمد، ما زالت بقعةُ
الدمِ متجمدةً في مكانها -على طريق بوابة شناص- من أَثَرِ الذهول؛ لتذكرنا بكَ،
وبهشاشة إنسانيتِنا، وحياتِنا القصيرة جدا على الأرض!
علَّمتَنِي يا محمد دروسا لا تُنسَى؛ كأن أكون
أكثر مرونةً مع الطلاب، وأن أغض الطرف إنْ تأخروا، أو طرأَ عليهم طارئ ولم
يستطيعوا حضور المُحاضرة.
علَّمتَنِي أن أكافح للوصول إلى أحلامي،
ومُبتَغَاي، حتى لو لم أصل في نهاية الطريق؛ ربما قد أصل إلى شيء أعظم! وأنَّ لكل
مجتهد نصيب، لكن قد أجد نصيبي في الآخرة.
علَّمتني أنَّ الحياةَ قصيرة جدا، وفي أي لحظة قد
تؤخذ مني أثمن ما أملك، روحي التي هي ملك لله واستأمنني عليها!
كتبك تشهد لك يا محمد أنك مع الشهداء والمؤمنين، روحك في السماء السابعة، في الجنان،
رَحِمَكَ الله وأسكنكَ فسيحَ جناتهِ
رسالة من الأستاذة/ هاجر الغفيلي
اليوم الثالث من العزاء
١٤ نوفمبر ٢٠٢٣
توفي في ١٢ نوفمبر ٢٠٢٣
تعليقات
إرسال تعليق