فِي حُبِّ فِبْرَايِر...

 

(وداعًا حتى العام المقبل♥)


نحنُ في شهرِ فبراير (شبَّاط)، أُحِبُّ هذا الشهر، أُحِبُّ لياليه العليلة، ليالي الحُب والمتعة، ليالي الجمال، رغم قِصَره إلا إنه أجمل شهور السنة، أيامه قليلة لكنها مباركة. يمرُّ هذا الشهر خفيفا على الفؤاد بكل أناقة، شهر يحتفل ببهائه، فهو مملوء بالغنج، يشبه في ذلك المرأة الفاتنة التي تسير بدلال، امرأة مُعْتدَّة بنفسِهَا، ولا يمكن النيل منها، هكذا بكل غرور وجمال، ربما امرأة فارسية حسناء، لطيفة ونرجسية.

فبراير شهرٌ فارسي، يشبه حكايات شهرزاد، كأنه ألف ليلة وليلة، شهر تاريخي، يُعدُّ عن ألفِ عامٍ، ويحمل كَوكَبَةً من الجمالِ، في شروقه وغروبه، وأشعة شمسه، ولياليه الباردة، شهر الدفء والمحبة، إذ يسند المرء ظهره إلى حائط من الدهشة. كما إنه شهر الكمال، كامل بذاته، مبهر وساحر، وربما شهر استشفاء الروح، إذ يأتي بعد التعب والضنى وذروة البرد؛ فيكمن فيه الفرج.

شهر التأمل والتجدد، إنه سريالي، خارج من الحكايات القديمة، له عبق الماضي، وله ذكريات فيها انتعاشة متجددة للروح، ونفحات عَبِقَة، ويحمل معه هدايا سماوية نابعة من الكون، إذ يذكرني ببيتِ جدي وجدتي (أبوي علي وأمي حليمة) وطفولتي فيه، وبإيران والأندلس، إنه شهر الحنين والحلم الجميل، كما يذكرني بمسلسل الكرتون إيميلي "Emily of New Moon"، شهر مثقل بالذكريات الجميلة، وإني أتمنى أنْ لا ينتهي، فهذه الأيام مباركة، طيبة، هادئة، تشبه الحكايات الكلاسيكية القديمة، حكايات تنتهي بنهايات سعيدة، لينتهي إذن بنهاية سعيدة!

أما عن الجو، فإنه منعش في فبراير، والهواء فيه عليل، محمل بعبق الطبيعة، وبأصوات تصدح، من حشرات، مثل: الصرار، والجراد، واليعسوب والذباب الموسمي، وكذلك يسمع المرءُ صوتَ الزمنِ يعبر بين حفيف أوراق الأشجار، وفي صوت العصافير المغرِّدة والزرزور، والحمام الذي ينوح في خلفية المشهد، أما رائحة العشب المغطى بقطرات الندى، فإنَّ عبقه الفوَّاح يزكم أنفي الصغير، والقمر مختلف كذلك في هذا الوقت من العام، كبير وواضح ومُتَلألئ، ففيه يصبح كوكبًا درِّيًا، يشبه اللؤلؤة البرَّاقة، يا إلهي، إنَّ الأمر لمذهل!

غروب فبراير هائل بالروحانية، وصَلَوَات عصافير الغروب منتشية، إن صوت عصفور واحد لا تصدح زقزقته وقت الغروب، بل يُعدُّ صوت العصافير جميعها عرس سماوي مقدَّس، مملوء بالصلوات الندية.

قبيل الغروب، ينتاب المرء شوق يشبه شجرة في بلاد فارس، مربوعة وفارعة، تقف عليها العصافير، وأشعة شمس الغروب مستلقية على الأغصان العُلْيَا. في هذا الوقت من المساء، تستعد العصافير للعرس الإلهي؛ لشكر الإله على نِّعَم اليوم وعلى رزقه لها، وتدعو الله أن يبارك في غدها، إن الطيور تسيِّر أيامها وحياتها بالمباركة، بالدعاء والتسبيح، وتقديس الله وتعظيمه.

إنَّ العرس السماوي لحنٌ إلهي بديع، تقديس تام، تسبيح وشكر وامتنان، مباركة للآتي. ساعة كاملة من العرس كل يوم تقوم به العصافير، ساعة توديع اليوم ومباركته؛ حتى يولد يوم جديد آخر، هكذا يكون رزق الطير مكفولا.

إنه فبراير الذي يحمل كل معاني الجمال، هذا الشهر المدهش من العام، حامل للجمال، إنه مريح، كله مشاعر، مقدَّس، كأنه آتٍ من الجنة، هو جوهرة العقد، تلك الياقوتة التي تتوسطه. وإني ما زلتُ أبحثُ عن سرِّ جمالهِ الهائل، عن مشاعري المكنَّزَة نحوهُ، عن شعور الأُنسِ به وفيه، عن لحظات جميلة ستحدث لي في المستقبل تشبهه.

فبراير شهر البدايات، بداية انخلاق الربيع. إن مراحل ولادة الربيع الأولى تكمن فيه، إذ تتهيأ الأوراق لخلقٍ جديدٍ. ففي عُمَان، فبراير يشبه فصل الخريف جدا، وأنا أحب هذا الفصل، لكنه يأتي في موسم الشتاء أو ما بعده، والشتاء فصلي المفضل، لقد تزاوج الشتاء والخريف؛ فأنجبا شهر فبراير في عُمان، لقد وُلِدَ في نهار الجمعة، بذلك أصبح شهرا مباركا.

يا إلهي، إنه شهرٌ عذبٌ، لقد ذاب قلبي من شدة جمال المشهد، رأيتُ –فيه- طيرا صغيرا جدا، يُدْعَى "الزرزور"، يختبئ بين الزهور الصفراء المبهجة؛ خوفا من الدبور، ثم هربَ من فراشة مدهشة، عبثتْ برأسه! لون الطير أسود، وجسمه منقوش ببقع تركوازية متباينة الحجم، كأنه لوحة فنية مثيرة. هكذا فبراير، يشبه جمال هذا المشهد المجتزء منه!

لَكَمْ أتمنى أنْ تخبرني النحلة بمشاعرها تجاه هذا الشهر، ويخبرني الدبور بشعوره هو أيضا، وكذلك النملة، والفراش السارح في الأرجاء، أريد أنْ أعرفَ سر سعادتهم بهذا الشهر، هم ينقلون لي السعادة، والطبيعة الآن كلها تغني وترقص في احتفالٍ كوني.

         إنَّ السفر في فبراير إلى بلاد الشمس لأمر رائع، هل جرَّبَ أحدكم السفر في هذا الشهر؟ أنا لم أجربْ بعد، لكني أعيشُ في بلاد الشمس، أليستْ نعمة عظيمة أنْ تنتمي لهذه البلاد؟ ألا تشعر بالغبطة، وأنك محظوظ بما فيه الكفاية لِتُولد في بلدٍ متوازن طبيعيا، ومناسبا لطبيعتك البشرية؟

ممتنة وشاكرة لله على جَمالِ هذا الشهر، ليس كأي شهر، ولن يكون. 


الجمعة، 26 شباط، 2021

هاجر الغفيلي


تعليقات

  1. في تركيا شهر فبراير برد و انا احب حر

    ردحذف
    الردود
    1. إذن تعالي معنا، إلى بلاد الشمس ♥ :)

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة