أجمل موقف رأيته حينما عشتُ في نزوى


في إحدى نهايات الأسبوع، يوم الخميس من عام 2019، لا أذكر متى بالتحديد، لكن حين يعود الجميع إلى أهله ومنطقته إلا هاجر.

خرجتُ من الجامعة، كنتُ أمشي وحدي عند المغيب، متجهة نحو سكني، طريق طويل، وأحتاجُ إلى الوصولِ ربعَ ساعةٍ تقريباً أو أقل.

حينما وصلتُ في مساري بمحاذاة الحديقة، وقبل أنْ أتخطاها بقليل، جاءتْ سيارةٌ سوداء مسرعة جدا، تجاوزتني، ومشتْ في الشارع الترابي. خرج الغبار من الإطارات؛ لسرعتها، واختلط بأشعة غروب الشمس.

 انزعجتُ في داخلي، وقلت ما هذا الطيش! أكملت مسيري باتجاه الغرب، في خط مستقيم.

توقفت السيارةُ عندَ ثالث بيتٍ، أبسطُ بيت بين البيوت الستة المتتالية! خرج منها شابٌ في أواسط الثلاثينيات أو ربما أكبر، ثم جرى نحو البيت، وقرع الباب الصغير بقوة، ظل ينادي ويقرع.

فجأة من بعيد، ظهرتْ امرأةٌ عجوز نحيلة، تحمل قفيرا على رأسها، كأنها قد خرجتْ للتو من خلف الجبال التي ستتلحف بها الشمسُ،  وجاءت باتجاهنا (جهة الشرق)، تمشي وتعاتب الرجلَ الذي يطرق الباب من بعيد، وبصوت عالي؛ حتى يسمعها. لا أذكر جيدا ماذا تقول، لكنها كانت تردد: "هينك أنت.. هينك؟"، "ما تجينا ولا تزورنا..ومرضنا" وووو... يُجِيبُها الرجلُ بكلماتٍ متقاطعة ويواصل القرع.

 فجأة، فُتِحَ الباب، وظهرَ رجلٌ مسنٌ بإزارِهِ وقميصهِ الأبيض، ولحيته البيضاء الكثة، ثم قفزَ على الرجلِ، واحتضنه بشدة. تعانقا بقوة لبرهة من الزمن

ظل الشيخ يردد: "مشتاقنك، مشتاقنك"، ظل يرددها مراراً، وهو يعانقه، ومتعلق به كأنه طفله، ويبكي.

         وصلت المرأةُ إليهما، طبطبتْ على الشابِ وعانقتهما، وقالت: "الله يقرعكم قرعة.. فضحتونا.. دخلوا داخل".

فدخلوا إلى بيتهم وأصوات أحاديثهم العالية ما زالتْ تدغدغ أذني.

حينما كنت أمشي، كانت تنتابني مشاعر من الوحدة والغربة، وأصوات حزينة تتردد بداخلي، لكن بعد هذا المشهد دموعي لم تتوقف عن الهطول دون إرادتي، كانت تنهمر من الفرح! لحظتها انتابني شعور طفل يتيم، يتيم ووحيد، رأى مشهدا مبهرا، لا يراه غالبا.

لكني تمنيتُ لو كان بالإمكان أن أتعرف عليهم، أو أنْ أعدَّهم من أهلي، وأعرف قصتهم.

 أحببتُ ذلك البيت جدا، بيت دافئ، ومليء بالحب.

عادةً، لا أرى الناس في عُمان يتعانقون في الشارع، لكن هذا المشهد السريالي؛ أشعرني وكأني جزء من مسلسل درامي، في أيامِ الزمنِ الجميل. هذا المشهد هدية من الله لي، فالثناء كل الثناء له، والحمد للمعطي، للواهب، للكريم السخي، مغدق النعم، مَنْ أَقْرَى عيني برؤية الخير في طريقي. ما أحلى الحب بين الناس! ما أحلى الرحمة والتراحم.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة