قراءة في رواية: أشياء تتداعى (Things Fall Apart) للكاتب النيجيري: تشينوا أتشيبي

     يروي الكاتب النيجري لنا عن عادات وخرافات وأساطير قوم أفارقة يؤمنون بها، وأنهم يعبدون العديد من الآلهات، ويتعاملون مع السحر. وتوضح الرواية العنصرية ضد المرأة في هذه المجتمعات. أما عن نظام مجتمعهم فقائم على الذكورية، وعلى جمع الألقاب التي يسعى كل واحد منهم للحصول على لقب أعلى، وقائم كذلك على قوانين مجتمعية لها أيديولوجيتها التي تُسَيِّر الناسَ بها، وعلى تقديسٌ للأجيوجوو المقنعين، وهُم الأجداد الموتى الذين يُبْعَثُون من قبورِهم لكي يحاكموا المتهمين ويحلوا مشاكل القبيلة، وقيام القوم بتقديم القرابين للأجداد وللآلهة.

         مُؤَدّى ذلك هو الجهل التام والبُعد عن العالم وعن الانفتاح على الآخر، وانغلاق القبيلة على نفسها، فظهرت الهمجية والخرافات والأساطير والسحر وغيرها من الأمور. والإنسان طُبِعَ على العبادةِ، فُطِرَ على عبادة الله، به جانب روحاني يريد إشباعه؛ فإن لم تُوَجَّه هذه الغريزة الإنسانية بشكل صحيح ولم يَستخدم المخلوق عقله؛ فسيبحث عن إله ويخلقه؛ كي يعبده، وهم فعلوا بالمثل.

         أما عن الأطفال، فهم الذين يسألون ويبحثون ويفكرون أكثر من الكبار؛ بسبب فطرتهم السليمة والنقية، لذلك شخصية نووي -ابن اوكوونيكو بطل الرواية- اِحتَارَ وتساءل عن سبب قتل الناس للتوائم، وعن سبب قَتْلِ صديقه اكيمفويا!
استخدم عقله، فوجد شيئا ما لا يسير على ما يرام، شيء غير صحيح، ولكنه لم يعرفْ ما هو إلا لاحقا - حينما كبر- في الوقت الذي جاء المبشرون المسيح "الرجل الأبيض" كي يستعمرهم ويستثمرهم، ويسيطر على أرضهم ويجعلهم يؤمنون بالدين المسيحي بطريقةٍ محببة لهم.
آمن الابن بالدين المسيحي، وهذا ما لم يخطرْ في بالِ أحد.

وقفة في مسألة الحراك التبشيري والاستعماري:
       للمبشرين غايات عدة واضحة للجميع، منها إنارة عقول القوم الأفارقة وتوجيههم وتدريسهم وتفتيح بصائرهم على أشياء لم يدركْوها، ومساعدتهم في كيفية تطوير أسلوب العيش عن طريق استخدام أدوات متطورة نسبيا - رغم أن لكل أمة اختيارها وخصوصيتها في كيفية عيشها. لكن هذا الهراء كله من أجل أن تُغْتَصَبُ أرضهم، وأن يُتَحَكْم بهم، وممارسة العنف ضدهم. هذا هو هدفهم الضمني الأول والأساسي، يهدفون إلى الاستعمار سياسيا (لذلك ظهرت الامبريالية)، وتنصيرهم دينيا، واكتشاف الأراضي ولأجل الأبحاث العلمية. والأهم من هذا وذاك هو الاستعمار الثقافي، أي أن يجعلوك تفقد تاريخ، أرضك، هويتك وانتماءاتك! ويستبدلوا ذلك باِلبَاسَك ثوبا على مقاساتهم، ويزرعون فيك فكرهم المُعَلَّب، يجعلونك تشك بقدراتك وتثق بهم، تحتقر نفسك وتُجِلّهم!


حدث موقف حراكي ضد أعراف القبيلة:
     قام أحد أفراد القبيلة -وهو من المناهضين لنظام قبيلته- بقتل ثعبان النهر الذي يقدسونه؛ لأنه غيَّر ديانته إلى المسيحية.
     ثم موقف آخر: قام أحدهم بإزالة قناع الأجيووجو -أحد الأجداد من الأموات - الذين يقدسونهم، فأحرجه، مما أدى إلى ثورةِ غضبٍ عارمة من قِبَلِ القوم؛ فأحرقوا بيته وأحرقوا الكنيسة.

*أشياء تتداعى وتنهار:
         بعض من الأفكار تداعتْ وانهارت؛ بسبب المبشرين المسيح، وتنويرهم لعقول أبناء القبيلة اليافعين. أشياء تتداعى: مثل الأفكار الوثنية والأصنام الفكرية الخاطئة التي كانوا يؤمنون بها.
· ظلمهم للأنثى وضربها لدرجة تصل للقتل، والتمني أن تكون البنتُ ولدا.
· حروبهم الهجينة.
· عبادتهم لعدة آلهة.
· تعاملهم مع الكهنة والسحرة المجانين.
· صراخهم وعويلهم في الليل.
· طريقة علاج مرضاهم.
· قتل الأطفال وتشويههم حينما يموتون، فهم يؤمنون بأنه حينما يولد طفل بعد موت آخر، سيكون الطفل نفسه عاد للحياة لكي يعذب أمه.
· قتل التوائم ورميهم في غابة الشر.
· التركيز على المناصب "السمعة".
· إحياء الأجداد وجعلهم يتحكمون بهم.
· إرثهم الذي يقدسونه، بدأ يتهاوى بسبب إمبريالية الرجل الأبيض.

       هذه الأفكار بدأت تتداعى، بدأ الناس يتكيفون مع المبشرين؛ لأن هؤلاء كانوا يعطونهم الطعام، وبنوا لهم مدرسة وعيادة ومحكمة ونظَّموا طريقة عيشهم.
لم يرق هذا التغيير لبطل الرواية أوكوونيكو، لذلك في الاجتماع الأخير لأهالي القبيلة كان يحرض الناس ضد النظام الجديد، وينصحهم بعدم التخلي عن إرثهم.
سمعه بعض رجال الشرطة البيض، وجاءوا إليه لتأديبه! مما أدى إلى اشتباك بينه وبين أحد العسس، فقتل اوكوونيكو الشرطي ثم فَرَّ هاربا، وحينما بحثوا عنه وجدوه معلقا بحبلٍ فوق شجرة كبيرة خلف منزله.

       نعم، لقد انتحر. انتحر من مرارة ما جرى في ارضه، ولم يتقبل فكرة زحزة الفكر وتغييره. عاش طوال حياته يجمع الألقاب، ويحافظ على إرث أجداده، وفي النهاية يندثر ما عمل على الحفاظ عليه، يزول كل شيء بسبب إمبريالية الرجل الأبيض!

   حينما وجدوه، قال صديقه للشرطة: "عاشَ أسدا وسيُدفَن كالكلابِ".

النهاية
تاريخ الكتابة: 26/3/2016