حرقةُ الكتابةِ*


 

      لكي أكتب، عليَّ أنْ أحترقَ ألف مرة ومرة. حقيقة لا مجاز، أتعذب عذابا شديدا لكي أكتب، وهذا ليس بسبب عسر الكتابة؛ بل بسبب الخشية، ففعل الكتابة يحتاج إلى خشوعٍ تام، وصلاة تعبدية، واستخارة، نطلب فيها فتوح العارفين، وعين المتأملين، ونباهة الفطنين.

      الكتابة لا تكون إلا بركانا متفجرا، يثور من قعر الأرض، من أعماق الأعماق، ومن طبقات الأرض الدنيا.
يمكن حينها أن تتولد الكتابة من قوةِ الضغطِ وشدته، أن تكون بركانا متفجرا؛ فتنتشر حممه على نطاق واسع، يخصب التربة، يثريها ويغنيها بالمعادن، يغذيها بالمكونات الكربونية والكبريتية، حتى تتخصب الأرض، وتنبت نباتا حسنا. ويكفينا خير شاهد على ذلك أن نرى المناطق التي بها براكين نشطة، أو خاملة، أو حتى ميتة؛ لنصدق بأم أعيننا أنها جنات خضراء عذبة تسر الناظرين.

      كذلك الكتابة، بإمكانها الازدهار والاخضرار في أعتى المناطق وأقساها، في المناطق البركانية المتفجرة التي تذيب الصخر وتصهره، حين تخرج الكتابة من أعماق المبدعِ ممزوجةً بعصارةِ الألمِ، وبصدق التجربة الفنية، وجمال الإبداع، وجزالة الأسلوب، كالألماس النادر حين يتخلق في قلب الأرض ويندفع نحو أعالي طبقات الأرض.


      عزيزي/تي الكاتب/ـة: إن لم تبكك الكتابة بحرقة ووجع، ولم تُصبْ بألم المخاض؛ فلن تغمرك بنشوة السعادة، والوصول إلى أبعد من ضالتك، إلى ما لم تتوقعه.
    فعل الكتابة الذي يكسر ظهرك الآن، هو من سيقومه لاحقا، ويجعلك قوي العود، منتصب القامة، شامخ الرأس؛ فاكتب بحرقة، أو لا تكتب.
صدقني عزيزي الكاتب، إن لم تذلك الكتابة؛ فلن تعزك، ومن الأفضل لك تركها!
وإذا ما فكرتَ في الكتابةِ يوما، فأحترق حتى النخاع، حتى تصير رمادا، أو أرمِ نفسك في بحر، ومُت غرقا لا نجاة لك منه، وإن نجوت؛ فَعُدْ وابدأ الكتابةَ، عليك السلام، ولك الأمان. وأنا أولُ القارئين لك.







هاجر الغفيلي
11/4/ 2017م


*  لست وحدي من يعاني هذه الحرقة، بل معظم الكُتاب. أحيلكم على مقالة: كتابة ضد الكتابة/ لـ د. عبد الجبار الرفاعي، 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة